جبهة القوى الديمقراطية تصدر بيانا تجسيدا لحرصها على الإسهام الفاعل في بناء روابط الثقة، وتحفيز المناخ الديمقراطي السليم، المشجع على الحوار بين الفرقاء، وعلى التنافس الحر والنزيه، المجسد في انتخابات شفافة قادرة على تعزيز التجربة الديمقراطية وانجاح مسارها.

في سياق مناخ سياسي وسوسيو اقتصادي، طابعه الإحباط واليأس خرجت الأمانة العامة لجبهة القوى الديمقراطية الأربعاء 08 أكتوبر 2014 ببيان، تحذر فيه الحكومة من مغبة التمادي في الإصرار على التمسك بنهجها التحكمي والاستفرادي في تدبير الشأن العام، الذي يعد خرقا واضحا لمبدأ التشارك الذي ورد بالوثيقة الدستورية الجديدة، محملة الحزب الحاكم مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع من تدني على مستوى الواقع الاقتصادي والاجتماعي، وعلى مستوى النقاش في الفضاء السياسي العام، وداخل المؤسسة التشريعية التي أنجزت إلى نقاشات هامشية، تعد مضيعة للزمن السياسي.. إلى غير ذلك من الأفكار والمواقف، نتعرف عليها بنص البيان كما أصدرته الأمانة العامة:
تتابع الأمانة العامة لجبهة القوى الديمقراطية بمنتهى الجدية والاهتمام استعدادات بلادنا لإجراء أول سلسلة انتخابات، في ظل دستور فاتح يوليوز، خلال السنة المقبلة. وما تشكله من محطة أساس، لإعطاء مضامين الدستور معنى في الحياة السياسية الوطنية اليومية، وتأويلها تؤيلا ديمقراطيا، وتطبيقها على أرض الواقع.
وانطلاقا من وعيها بالمسؤولية التاريخية الملقاة على عاتق كل القوى الجادة في الظرفية التي تجتازها البلاد، وبضرورة توفير شروط تعبئة وطنية استثنائية لإنجاح هذه الانتخابات، وضمان أوسع مشاركة شعبية فيها، خاصة وسط الشباب.
وتجسيدا لحرصها على الإسهام الفاعل في بناء روابط الثقة، وتحفيز المناخ الديمقراطي السليم، المشجع على الحوار بين الفرقاء، وعلى التنافس الحر والنزيه، المجسد في انتخابات شفافة قادرة على تعزيز التجربة الديمقراطية وانجاح مسارها، عبرإحداث القطيعة مع التمثيلية العددية، والانتقال بها إلى بلوغ التمثيلية السياسية.
ووفاءا لاختياراتها بشأن السعي المتواصل لتوطيد البناء المؤسساتي، المحفز لتجديد النخب، وتعزيز انخراط المواطنين الواعي في الحياة الوطنية. بما يساهم في تكريس قيم العمل والمواطنة، وأسس الحكامة الجيدة، والعدالة الاجتماعية، والتضامن المجالي، والتضامن بين مختلف شرائح المجتمع وأجياله.
فإن الأمانة العامة لجبهة القوى الديمقراطية تعيد التأكيد على مواقفها بشأن أهم القضايا والمهام المطروحة في هذا السياق.
تصحيح مسار ما بعد دستور فاتح يوليوز: الحكومة المتمخضة عن انتخابات 2011 مخيبة للآمال ومشيعة للإحباط.
سارت الحكومة المتمخضة عن انتخابات 2011 على نهج معاكس لروح دستور فاتح يوليوز، حيث عملت على إجهاض روح التشاركية التي ميزت تبني الدستور نفسه، وعلى الانفراد بالقرار في قضايا مجتمعية مصيرية تتجاوز وكالتها لولاية محددة.
وعلى نفس النهج، عمل الحزب الحاكم على الانفراد بالقرار في الكثير من القضايا حتى داخل الأغلبية الحكومية، مما أدى إلى هدر وقت ثمين في الصراعات المعوية للأغلبية، وما ترتب عنها من تعطيل لمهام المؤسسات الدستورية ومباشرة حل مشاكل المواطنين.
وتعدت مسؤولية الحزب الحاكم ذلك إلى جر المؤسسة البرلمانية والساحة السياسية عامة إلى نقاشات بييزنطية وهامشية، تدني معها النقاش البرلماني والسياسي عامة إلى درك لم يسبق له مثيل، وأدت إلى اتساع دائرة الخطاب الشعبوي والسلوكات السياسية الشاذة والمشينة، وإلى تغييب ممنهج للقضايا المصيرية للوطن والشعب.
ونتيجة لذلك، دأبت جبهة القوى الديمقراطية، على التنبيه إلى خطورة المنحى الذي اتخذته الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية والثقافية والحقوقية، بحكم العقلية التحكمية والانفرادية التي ميزت تدبير الحكومة للشأن العام وإقصاء الفعاليات السياسية والنقابية ومختلف القوى الحية من المشاركة في بلورة الحلول للمعضلات المجتمعية المتراكمة.
ومما زاد في تأزيم الوضع افتقار الحكومة إلى رؤية استراتيجية تؤطر قراراتها، ما جعل الارتجال والارتباك، وتسيير الأزمة بدل معالجتها، علامات بارزة في تدبير الشأن العام. كما أدت حالة التردد والارتباك في معالجة الملفات السوسيواقتصادية الكبرى وفي مقدمتها إصلاح أنظمة التقاعد، وصندوق المقاصة، والفشل الذريع في محاربة الفساد والريع الاقتصادي، وإصلاح التعليم والصحة، إلى شيوع حالة الشعور بالإحباط وسط أوسع فئات الشعب الدنيا والوسطى.
إن المسؤولية السياسية تقتضي التنبيه إلى خطورة انعكاسات الاختيارات الحكومية، التي تنم عن استسلام غير مسبوق لتوصيات المؤسسات المالية الأجنبية، وعن سلوك منهجي في الهجوم على المكتسبات الاجتماعية، على تدهور القدرة الشرائية للمواطنين، وعلى اتساع هوة الفوارق الاجتماعية، واستمرار اتساع دائرة البطالة، وتنامي مظاهرالهشاشة والإقصاء والعنف في عدد من الأوساط الاجتماعية.
كما ينبغي التنبيه إلى انعكاسات تباطؤ وتيرة النمو الاقتصادي، والنزوع إلى إغراق البلاد في الديون الخارجية، على مستقبل البلاد وتطلعاتها إلى التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وما لذلك من تأثير سلبي على استقلالية القرار الوطني، بما يفضي إلى مزيد من تدهور الأوضاع الاجتماعية وتضخم الاحتقان السياسي.
إن شيوع حالة الشعور بالإحباط لدى مختلف فئات الشعب، جراء الأداء الحكومي الباهت، تجعلنا ننبه إلى سياق مناخ سياسي واجتماعي مقلق، سيجعل استمراره المشاركة الشعبية في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة أضيق من أي ذي قبل، بل سيساهم في تعميق ظاهرة العزوف السياسي وقتل روح المواطنة لدى هذه الفئات، مع ما لذلك من انعكاسات على تغذية منافذ التطرف والإرهاب وتقوية فرص استهدافهما للنموذج المجتمعي المغربي.
توحيد الزمن السياسي المغربي: رهان اليوم والغد.
شكل الخطاب الملكي لتاسع مارس 2011، لحظة فارقة في تاريخ مغرب بداية هذا القرن، بما رسخه من مكاسب وطنية ديموقراطية تاريخية، وبما فتحه من آفاق جديدة لبناء مغرب عصري ديمقراطي حداثي، يحتل موقعه المتميز بين البلدان الصاعدة بخطى حثيثة للحاق بركب البلدان المتقدمة في العالم .
وشكل التجاوب الشعبي الواسع مع مشروع دستور فاتح يوليوز تعبيرا واضحا عن التناغم بين تطلعات الشعب المغربي وتطلعات واختيارات جلالة الملك. وهو نفس التناغم والارتياح الذي يواكب تواصل إنجاز الأوراش الملكية في تجهيز البلاد بالبنيات التحتية المهيكلة والمؤسسة لاقتصاد وطني يرفع تحديات العولمة والعصر المقبل، وأوراش التنمية الاجتماعية لمحاربة الفقر والهشاشة والإقصاء الاجتماعيين، وإرساء شروط تحقيق العدالة الاجتماعية.
وفي نفس السياق، تجسد المبادرات الملكية، نفس التناغم، على المستوى الدبلوماسي لصيانة مصالح الوطن العليا، وفي مقدمتها قضية الوحدة الترابية، ونحت الموقع المستحق للأمة المغربية على الساحة الدولية، وجعلها قوة فاعلة مسموعة الكلمة على المستوى الإقليمي والدولي، في إرساء الأمن والسلم والتعاون بين الشعوب، خصوصا فيما يرتبط بالتعاون جنوب جنوب.
إن هذا الزمن السياسي المغربي الذي يطبعه التجانس والتناغم، والذي شهد طفرة نوعية مع خطاب تاسع مارس وتبني دستور فاتح يوليوز، يوزايه زمن سياسي آخر أفرزته الانتخابات التشريعية لسنة 2011 وما تمخض عنها، وهو زمن يجانب الزمن الأول ويعجز عن مواكبته أو حتى الاقتراب منه. وهو ما سيجعل مسير المغرب متعثرا ومتباطئا، ما لم يتحمل الفاعلون وكل ذي مسؤولية في المؤسسات المنتخبة والمؤسسات المتمخضة عنها مسؤوليته في العمل على توحيد الزمنين.
تفعيل الدستور ومهام النضال الديمقراطي لتجمع القوى الحداثية.
تشكل إعادة النظر في التعاطي مع دستور فاتح يوليوز، والعمل على تفعيله نصا وروحا، ورفض أي تأويل له سوى التأويل الديمقراطي، المدخل الأساس لتصحيح المسار برمته.
ولذلك تعتبر الأمانة العامة لجبهة القوى الديمقراطية كون الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، بدءا بالتحضير لها، محكا حقيقيا لكل الإرادات السياسية، كل في موقعه وطبقا لمسؤولياته، وذلك لإرساء المناخ السياسي والاجتماعي، الذي يكفل التعبئة الشعبية الوطنية للمشاركة في إنجاح هذه الاستحقاقات، وإفراز النخب الكفأة والمتشربة لروح الوطنية والمواطنة، والقادرة على تحمل مسؤولية تدبير الشأن الجماعي، وأداء مهامها بما يستجيب لمتطلبات التنمية في كل أبعادها.
واعتبارا لأن التعددية هي أساسا تعددية سياسية، فالتعددية لا تؤدي دورها إلا إذا كانت التمثيلية تمثيلية سياسية، على أساس برامج طموحة، واقعية، مع كفاءات قادرة على تنفيذها. ولذلك فإن جبهة القوى الديمقراطية، لا ترى بديلا في الظروف السياسية الراهنة، لتوفير شروط القيام بتعبئة شعبية وطنية لإنجاح الاستحقاقات الانتخابية المقبلة والإعداد لها، عن توحيد كافة القوى الديمقراطية الحداثية السياسية والمجتمعية، حول برنامج حد أدنى للعمل في كل الواجهات والمواقع.
فبعد انصرام، ما يزيد عن السنة، على المساعي التي بذلتها الجبهة في هذا الاتجاه، لدى هذه القوى، فإنها تجدد استعدادها لمناقشة مختلف صيغ العمل في هذا الإطار. وذلك تعضيدا لدور الأحزاب السياسية في ترسيخ الاختيارات الاستراتيجية لبلادنا، والدفاع عن وحدتها الترابية، وإنجاز مهام بناء المشروع المجتمعي الحداثي الديمقراطي المنشود.
إن توحيد جهود القوى الحداثية الديمقراطية، السياسية والمجتمعية، هو مدخل تكثيف النضال الديمقراطي حول تفعيل الدستور، بما يتيح توطيد البناء المؤسساتي الديمقراطي، وضمان توازن السلط واستقلاليتها، واحترام حقوق الإنسان وإشاعة ثقافة ممارستها، والإلتزام بمبادئ المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص وربط المسؤولية بالمحاسبة، وكل المبادئ والحقوق والحريات المنصوص عليها في المتن الدستوري.
كما أن توحيد جهود هذه القوى هو ضمانة تعزيز الوحدة النقابية وتعضيد دورها في تحصين المكتسبات المجتمعية، وتقوية الدور الوطني الدستوري للأحزاب السياسية الجادة في تكوين وتجديد النخب وتأطير المواطنين وبلورة مشاريع الإصلاح السياسية والإقتصادية والاجتماعية.
إن توحيد الجهود حول محور النضال الديمقراطي المرتبط بتفعيل الدستور، سيجعل هذه القوى الحية في مواجهة متطلبات المغرب المتماسك بمرجعيته الدستورية والمتشبع بغنى هويته وقيمه المعتدلة التي تشكل ثروة لامادية ينبغي استثمارها في بناء النموذج المجتمعي المغربي، بمهامه المستعجلة المرتبطة بإخراج القوانين العضوية المتعلقة بترسيم الأمازيغية، والمجلس الأعلى للغات والثقافة المغربية، ومجلس المناصفة وباقي القوانين التنظيمية المنصوص عليها في الدستور.
ومن هذا المنطلق ترتسم مهام الإعلام الوطني، وفي مقدمته الإعلام العمومي، في إذكاء النقاش الجاد، بما يشكل القطيعة مع إعلام الحملات الانتخابية الذي لم يعد يلبي حاجات المتلقي المغربي المتعطش للنقاش السياسي الجاد و الهادف.