في تأكيد جديد على التزامه بخيار الفكر والثقافة كركيزتين أساسيتين في مشروعه المجتمعي، نظم حزب جبهة القوى الديمقراطية، بتعاون مع مؤسسة الدراسات والأبحاث التهامي الخياري، الملتقى الوطني الثالث للفكر الفلسفي بالمغرب، وذلك يوم السبت 19 يوليوز 2025 بالعاصمة الرباط. وجاءت هذه المبادرة الفكرية الكبرى بتنسيق مع الأكاديمية المغربية للبحث الفلسفي العبر-مناهجي والجمعية المغربية لمدرسي الفلسفة، وخصصت لتكريم المفكر المغربي البارز إدريس هاني، عبر تقديم قراءات علمية معمقة في مشروعه الفلسفي النقدي.

وقد شهدت الجلسة الافتتاحية كلمة محورية للأستاذ رشيد الياقوتي، رئيس اللجنة الثقافية للحزب، أبرز فيها أن حزب جبهة القوى الديمقراطية يعتبر الثقافة أفقًا استراتيجيًا لبناء مغرب الكرامة والعدالة الاجتماعية، وأن الانفتاح على الفكر الفلسفي هو جزء من معركة الحزب ضد الرداءة والتبسيط، واستعادة لقيمة العقل في زمن التزييف. كما نوه بمسار المفكر إدريس هاني، واصفًا إياه بـ”المثقف العضوي والمفكر الموسوعي” الذي ظل وفيا لأسئلته الكبرى دون مجاملة للسائد.

وتوالت بعد ذلك مداخلات أكاديمية رفيعة المستوى، قدمها نخبة من الباحثين المغاربة، تناولت أبرز مفاصل المشروع الفكري للمحتفى به، من خلال محاور مثل: الحداثة والتراث، العولمة وصراع الحضارات، ما بعد الاستعمار، ونظرية التسامح، إلى جانب قراءات تأويلية في منهجيته وظاهرته النقدية.

وفي الفترة المسائية، تحول الملتقى إلى جلسة احتفائية متميزة، افتتحت بعزف النشيد الوطني، أعقبه تدخل ثان للأستاذ الياقوتي باسم الحزب، أكد فيه أن هذا التكريم ليس احتفاءً بفرد، بل تكريس لخط نضالي ثقافي يتبناه الحزب بكل وعي ومسؤولية. وقد تميز الحفل بعرض شهادات مسجلة لمفكرين عرب وأجانب، عبّروا عن تقديرهم لإسهامات إدريس هاني، كما عرف اللقاء حضورًا نوعيًا شمل مستشار سفير دولة فلسطين، وأساتذة وباحثين وفعاليات فكرية، إلى جانب مناضلات ومناضلي الحزب.

وقد ختم المفكر إدريس هاني الجلسة بكلمة مؤثرة، أعرب فيها عن امتنانه لهذا التكريم من طرف حزب اختار أن يجعل من الفكر أفقًا للعمل السياسي، ودعا إلى مواصلة الحوار النقدي العميق حول قضايا التراث والحداثة والهوية.

وتم بالمناسبة التوقيع على الكتاب الجماعي “قراءات في أعمال إدريس هاني ومشروعه الفلسفي”، الذي يضم مقالات علمية لأكاديميين شاركوا في الملتقى.

ويؤكد هذا الموعد الثقافي أن حزب جبهة القوى الديمقراطية لا يكتفي بترديد شعارات الإصلاح، بل يعمل على تجسيدها عبر مبادرات رصينة، تضع الفكر في صلب العمل السياسي، وتسعى إلى إعادة الاعتبار للعقل النقدي كرافعة أساسية في بناء مشروع حضاري إنساني، متجذر في الواقع المغربي ومنفتح على الكونية.