في مذكرة جبهة القوى الديمقراطية إلى الأحزاب المغاربية *الدلالات العميقة لمطلب توفير شروط ممارسة التعددية الحقيقية

عبد الرحيم لحبيب/ الملحق الإعلامي.
على هامش تقديم جبهة القوى الديمقراطية، لمذكرة مطلبية، إلى الأحزاب المغربية، بشأن ما تراه أولوية لضمان انتخابات تشريعية، شفافة ، تعيد للمؤسسات مصداقيتها، و تنتج تعددية سياسية حقيقية، نعرض هنا قراءة، في المحاور الأساسية، التي ارتكزت عليها المذكرة، استجلاء لأهميتها، في دعوة الفاعلين السياسيين، إلى المساهمة، في طرح بديل تشاركي، يوفر الشروط الضرورية، للممارسة السياسية و الحزبية، الحقيقية و المسؤولة، في المجتمع، و محور هذا المقال، يركز على الدلالات العميقة لمطلب توفير شروط ممارسة التعددية الحقيقية، و نبذ أساليب الإقصاء و التهميش.
ليس من باب اجترار الشعارات، أو اقتراح التصورات دون عمق، فالقناعة الراسخة لدى جبهة القوى الديمقراطية، تكمن في توفير الشروط اللازمة لتطبيق مبدأ التعدد، باعتباره المرتكز، و قطب الرحى في المنظومة الانتخابية.
و عليه جاءت مذكرة الجبهة تدعو و بإلحاح، إلى إعادة النظر، في تطبيقات مبدأ التعددية الحزبية، كمساهمة في الدينامية السياسية داخل المشهد السياسي الوطني، إذ تعتبر المذكرة ضربا لهذا المبدأ، بل و إلغاء له، كل ممارسات الإقصاء و التهميش الممنهجين في حق بعض من التنظيمات الحزبية ذات حساسيات سياسية في المجتمع، من التمثيلية في البرلمان وفي باقي المؤسسات المنتخبة، أو تقليص تواجدها فيها، باعتماد قوانين انتخابية مفصلة على المقاس، كنظام مرور هذه التنظيمات بوسائل الإعلام العمومي، و المعايير المعتمدة لحد الآن في الدعم المالي العمومي للأحزاب، ولمنابرها الإعلامية.
كما تضيف مذكرة الجبهة، أن اللجوء إلى وسائل وأساليب قسرية لرسم المشهد الحزبي لن يجدي في تطوير المنظومة الحزبية وتأهيلها للاضطلاع بمهام المرحلة التاريخية الحالية. لذلك أصبح من الضروري اليوم، إعمال روح مضامين الدستور،مرجعا للتعاقد بين مكونات المجتمع والدولة، مواكبة للمستجدات، و استجابة للتطلعات، الهادفة إلى تجديد العمل السياسي، وإنتاج نخب سياسية جديدة، عبر منظومة حزبية متقدمة في أدائها، إيمانا من الجبهة بأن شروط المرحلة الراهنة لا تسمح بتداول حزبين أوحدين على السلطة.
و تشير المذكرة إلى أن الجبهة تدعو إلى توفير شروط تكافؤ الفرص أمام مجموع مكونات المشهد الحزبي، باعتباره قاعدة ومسلكا ديمقراطيين، و الطريق الأنسب لتطوير المنظومة الحزبية وترشيدها. فالتعددية ليست هدفا في حد ذاتها، بل آلية للتعبير الديمقراطي الحر عن حساسيات المجتمع وتيارات الفكر والرأي فيه ، و استحضارا لمطلب من أجل مؤسسة تشريعية بتعددية سياسية حقيقية، يضع فيها المواطن ثقته، و يجد فيها ذاته، و هو المطلب المنبثق من تمثل كنه الهوية المغربية، في أي مشروع سياسي مجتمعي، تعزيزا لمسار بناء مؤسسات الدولة الحديثة، المبنية على قيم المشاركة و الحكامة والتضامن والعدالة، في إطار التلازم العضوي بين حقوق وواجبات المواطنة.
و توضح مذكرة الجبهة في هذا السياق أن النجاعة و الفعالية هي في تحقيق تداول تعددي، مبني على الانسجام السياسي، الذي يضمن مصداقية العمل السياسي، وانخراط المواطنين، في قضايا الشأن العام بناء على وضوح الاختيارات الحزبية السياسية أمامهم، انسجام السياسي بين مكونات الحكومة، بغض النظر عن عدد الأحزاب المكونة لها.
كما تؤكد مذكرة الجبهة أن التواجد في المعترك السياسي، على الواجهة البرلمانية، هو السبيل لإفراز تعددية سياسية وتكتلات حزبية تعكس الاصطفاف والثراء السياسيين، أقطاب و تكتلات يجمعها حد أدنى مشترك في التوجهات و المواقف، و تعكس حقيقة ما يتجاذبه المواطنون من مواقف و آراء في المجتمع.
و انسجاما مع أبعاد و دلالات هذا المطلب المحوري، و انتصارا لروح الدستور، الذي يسند للأحزاب السياسية، أدوارا أسياسية داخل المجتمع، جاء اقتراح جبهة القوى الديمقراطية بخفض العتبة التمثيلية بالنسبة للدوائر التشريعية إلى 3% وإلى 5, 1%بالنسبة للائحة الوطنية مع ربط التمويل العمومي بهذه النسبة.
كما أن هذا الطرح هو الدافع المجسد للحرص الراسخ للجبهة على المطالبة باتخاذ التدابير الضرورية لضمان تمثيلية للمغاربة المقيمين في الخارج، داخل مجلس النواب، في الانتخابات المقبلة، انطلاقا من دوائر انتخابية خاصة بهم في بلدان إقامتهم، وفقا للتقطيع القنصلي، وبتخصيص نسبة توازي نسبتهم العامة من تعداد المغاربة. مطلب دستوري يضمن حقوق المواطنة الكاملة لأفراد جاليتنا، بما هي حقوق غير قابلة للتصرف أو الوكالة، و عرفانا بما أسدوه من جهد إنمائي، وإشعاع حضاري و دبلوماسي دفاعا عن ثوابت الوطن ومصالحه العليا، و إسهامهم في إنتاج قيم الديمقراطية والتقدم والتنمية.
و هكذا فالدعوة إلى توفير شروط ممارسة التعددية، التي اقترحتها مذكرة جبهة القوى الديمقراطية، تتأسس على ضمان عدم إقصاء أي من الحساسيات، مؤسسات حزبية كانت، أو أفرادا و شرائح، من التواجد و المشاركة و التمثيلية في المؤسسة التشريعية، في أفق انتقال التجربة المغربية إلى مرحلة المصداقية و البناء الديمقراطي.