في ندوة جبهة القوى الديمقراطية "أي مخرج للوضعية الراهنة بالمغرب ؟"

ذ . عمر الحسني
*الوضع المغربي الراهن مقلق ولا مخرج سهلا وسريعا له
*ينبغي تجميع القوى الديمقراطية الحداثية السياسية والمجتمعية في إطار جبهة موسعة لمواجهة المد المحافظ.
* دور اليسار يكمن أولا، في هذه الجبهة وهذه المواجهة و في تجديد فكره والانفتاح على القوى الحية في المجتمع والارتباط بقضايا أوسع فئات الشعب، وفي تجميع القوى اليسارية.
د . مولاي احمد العراقي
*اللوبيات متعددة الجنسيات لم تعد تقبل أنظمة حكم مطلقة
*ينبغي تكسير وضع قبول النظام السياسي في المغرب للرآي بدون تمثيلية
* لليسار دور بنبغي آن يلعبه شريطة قيامه بمراجعات نقدية جريئة وشجاعة
في جلسة مسائية حميمية، التأمت أولى جلسات سلسلة من اللقاءات التي تنظمها جبهة القوى الديمقراطية وتروم تبادل الرأي وإلقاء الضوء على الوضع المغربي الراهن، تحليلا وتشخيصا واقتراحا للمداخل والمخارج. نشط اللقاء الذي عرفته قاعة باحنيني بالرباط يوم الثلاثاء الفارط، مخضرمان من دوحة اليسار المغربي ويتعلق الأمر والدكتور مولاي أحمد العراقي نائب الأمين العام للحزب الإشتراكي والأستاذ المناضل والإعلامي عضو المجلس الوطني و رئيس هيئة التحكيم في جبهة القوى الديمقراطية الأخ عمر الحسني. فيما آلت تسيير الجلسة للأستاذ مصطفى منار عضو الأمانة العامة للجبهة في حضور شبابي ملفت انعكس على النقاش الذي تلا المداخلات..
** في مداخلته ساءل عمر الحسني سؤال الجلسة معتبرا أن سؤال ” الوضع الراهن المغربي أي مخرج؟ ” يحمل في ذاته العديد من الأجوبة، وتاج الأجوبة هو كونه وضع مغربي مقلق ويتطلب بل لابد من مخرج له. فهو وضع استثنائي وجديد، إذ بالرغم من أن العقود الماضية قد تميزت بنضالات القوى التقدمية وقوى اليسار وعرفت نقاشا عميقا للعديد من القضايا بل وقدمت أجوبة شافية لهذه القضايا، لكن مع فارق حاسم، ففي الماضي القريب والبعيد ” كنا نناقش قضايانا، يقول الحسني، في نطاق وطني وكان تأثير الخارج ضعيفا”، بينما الوضع الراهن يتسم بوجود تأثيرات خارجية على المغرب، ومن هنا استثنائية هذا الوضع وبواعت القلق فيه.. وبالتالي يصادر المتدخل على فرضية أنه لا مخرج سريعا وسهلا للوضع الراهن ويستدل على ذلك بما اعتبره مفارقات ما يسمى ” بالربيع العربي “. فهذه الإنتفاضات الشعبية العارمة المتسلسلة لبعض الشعوب العربية والتي عاشت القهر والظلم والاستبداد توفرت لها الشروط التاريخية التي قادت إلى الإطاحة برؤوس النظام، لكن المفارقة الأساسية والجوهرية هي أن القوى التي قادتها كانت قوى ديمقراطية وتقدمية حداثية في مقدمتها قوى الشباب العربي التواقة إلى الحرية والكرامة، وكان الملتحون إما إنهم مختبؤون أو يفاوضون سرا وفي مقام بين بين قدم هنا وهناك. والدليل الساطع الذي يقدمه الحسني هو أن “شهداء ” الإنتفاضات العربية هم شباب كادح من طبقات كادحة يناضلون من أجل الكرامة والحرية والديمقراطية، وبمجرد أن جاءت الانتخابات رأينا ما وقع! لقد أصبحت القوى المناهضة للديمقراطية والحرية والقائمة ضد كل القيم الإنسانية في سدة الحكم بعد أن قادتها صناديق الاقتراع إليها. يقبل الحسني ما أفرزته الصناديق لكنه لا يقبل، فيما يشبه اليقين، بأن ديمقراطية يمكن أن تبنى بغير الديمقراطيين، وشاهده التاريخ، فكثيرون صعدوا عبر صناديق الاقتراع وأجهضوا واغتالوا الديمقراطية ( الفاشية مثلا)، وفي مصر شبه أخيرا مثقفون وفنانون الرئيس مرسي بهتلر..! لذلك يصر الحسني على أنه ” لا ديمقراطية تبنى بلا ديمقراطيين ولو بصناديق الاقتراع”.. وفي تحليله للوضع الراهن المغربي اعتبر الحسني المغرب استثناء في العالم العربي والاسلامي، مجتهدا في نزع أسطرة هذا الاستثناء وإضفاء الطابع العلمي عليها بالاستناد إلى التاريخ.. فالأمة المغربية يقول الحسني، عاشت تاريخا متسلسلا لأزيد من 14 قرنا حكمها أصحابها وما من بلد آخر عربيا واسلاميا غير المغرب يتميز بهذه الخصوصية، ومن نتائج هذه الخصوصية التاريخية هو التعددية.. فالمغرب بلاد للتعددية السياسية والثقافية واللغوية، المغرب بلد للإختلاف وللتعايش، وهذا واقع تاريخي غير قابل للإنكار. لكن ما وقع في العالم العربي كان له تأثير على المغرب وهو الخطير! لأن طبيعة الصراع الآن في بلدان الربيع العربي لم يعد صراعا سياسيا فحسب ، بل صراعا مجتمعيا وصراعا على قيم وهو صراع جديد انقسمت فيه هذه البلدان شطرين، وقد بدأت تظهر ملامح هذا الانقسام في المغرب وأهم مؤشراته هو الموقف من المرأة. ويستدل الحسني ” بالوضع المصري الراهن.. لكن ما العمل لايقاف هذا المد المحافظ والذي يستهدف نزع هذه القوة التي تميز المغرب وتكمن في تفاعله التاريخي بين المحلي والكوني؟ يقترح الحسني كمهمة أساسية تجميع القوى السياسية والمجتمعية و الحداثية في جبهة موسعة لمواجهة هذا المد الأصولي المذمر للمجتمعات ولحقوق الإنسان والمضاد لكل القيم الإنسانية التي ناضلت من أجلها كافة شعوب العالم..،ولليسار دور أساسي في هذه الجبهة وهذه المواجهة، يكمن أساسا في تجديد فكره والإنفتاح على القوى الحية للمجتمع المغربي والارتباط بالمواطنين و بالقضايا الأساسية للشعب المغربي.. وعليه أن يكون جريئا وشجاعا في نقده الذاتي ومراجعاته.. فالمعركة الحاسمة لليسار، في رأي الحسني ، هو خلق جبهة جماهيرية واسعة لجمع الشعب اليساري ضد هذا المد المحافظ.
** من جهته استهل مولاي أحمد العراقي مداخلته بالتنبيه إلى خطورة انزلاقات التحليل العاطفي وضرورة إعمال العقل في تحديد المسؤولية الجسيمة التي يطرحها الوضع الراهن، فالواجب الآن، بالنسبة لمولاي أحمد العراقي، هو بلوغ الأهداف التي نتفق عليها ونربطها بالتنمية والمحافظة على الوطن ككيان. وهو واجب جوهري وأساسي. لذلك فإن توصيف هذا الوضع يقتضي بذل مجهودات جبارة بالنظر إلى ما يثيره هذا الوضع وطنيا وإقليميا ودوليا من قلق.. ومن جملة الملاحظات النقدية التي يقدمها المحاضر حول هذا الوضع الراهن هو أن الحديث عنه غالبا ما يغلب توصيف أزمة والحال أنه ولحدود سنة 2008 فإن الأزمة الموصوفة كانت شيئا ما اقتصادية وشيئا ما اجتماعية، وما بعد ذلك فإن الأزمة أصبحت مالية. لقد اعتبر صناع القرار في العالم أن الركيزة التي تحل جميع المشاكل بما فيها السياسية قد أصبحت تعاني من الهشاشة، إذ بالرغم من توزيع أموال الشعوب على الأبناك المفلسة، فإن الوضع الراهن راوح مكانه: ركود اقتصادي مستمر، بل أصبح من المقبول الحديث عن نمو تحت الصفر في الاقتصاديات الأوروبية. ويتساءل مولاي أحمد العراقي، هل هي أزمة بالفعل؟ ينفي المتدخل كونها أزمة، إذ لو كانت كذلك لوجد لها الحل! ولا أدل على ذلك توصيات ريو 20 والتي تشدد على طي صفحة التنمية المستديمة والمحافظة على البيئة مقابل التركيز على التوازنات المالية. لذلك خلص المتدخل إلى كوننا نعيش مرحلة انتقالية علامتها الأساسية هو الجهل بما ينتظرنا، وهذا على المستوى الدولي. ثم سيادة المال على السياسة، وتراجع مضاعف: تراجع للسياسي أمام الاقتصادي وتراجع هذا الأخير أمام المالي، أي انتقال السلطة من السياسي إلىR37 “مول الشكارة”، فالعالم يعيش انهيار النموذج الذي فرضته الليبرالية المتوحشة وتدعمها في ذلك العولمة. لقد دخلنا إلى الباب المسدود، انحباس وانسداد فكري وثقافي. وشدد مولاي أحمد العراقي في حديثه على ما يسمى بالاستثناء المغربي على ضرورة التحلي بالعقلانية وإعمال الحدود في تعريف هذا الاستثناء لما له من انعكاسات على عدم تلافي الدوغمائية. إذ لا أحد يملك الجواب عن الأسئلة المعاصرة… ومن الأجوبة التي قدمها مولاي أحمد العراقي، والتي اعتبر كونها تربط وشائج القربى بالطرح القديم، هي أن اللوبيات متعدد الجنسيات التي تتحكم في السياسة لم تعد تقبل بوجود سلطات مطلقة، بعد أن انتفت الحاجة إليها بانتهاء الحرب الباردة وبتدجين الشعوب العربية. وبخصوص الربيع العربي ألح المتدخل على أنه إن كانت الأسباب متعددة لكي تثور الشعوب فإن السؤال الذي يتطلب الجواب هو ماذا وقع بالتحديد؟ لأنه إن لم نجب عن هذا السؤال فإننا سنستمر في الدوغمائيات القديمة، ولذلك نزع المتدخل عن الانتفاضات “الربيع العربي” ملمح الثورة، منبها إلى ضرورة توخي الحذر في إصدار الأحكام. وفي توصيفه للراهن المغربي، ألقى مولاي أحمد العراقي الضوء علىR37 “الفرصة السانحة” التي توفرت للمغرب في السنة الماضية للتقدم إلى الأمام بفضل الدور الحكيم الذي لعبته القوى الديمقراطية والتي اعبترت الدستور الجديد مدخلا للانتقال الديمقراطي وأن إنهاء العنف السياسي ينبغي أن يليه بناء للمؤسسات وفصل فعلي للسلط. لكن اصطدم هذا المطلب بنية مبينة لدفع الأصوليين إلى الحكم، وتركت هذه القوى الديمقراطية الأمور تمر بسلاسة، بالرغم من أن الانتخابات التي جرت ليست هي ما تطمح إليه هذه القوى الديمقراطية والتقدمية، خصوصا وأن التمثيلية آلت في النهاية إلى الأحزاب المدجنة. فالنظام السياسي المغربي يقبل الرأي بدون تمثيلية وينبغي علينا تكسير هذا الوضع. وحول موقفه من الحكومة الحالية جدد مولاي أحمد العراقي قوله في كونها حكومة “أعجوبة”، لها من الاختصاصات ما لم يتوفر لغيرها وبالرغم من ذلك فإنه لم يسبق أن تم تمرير توصيات صناديق النقد الدولية كما مرت منذ سنة سنة ونصف. لكن ما المخرج؟. بالنسبة لمولاي أحمد العراقي، فإن المخرج من هذا الوضع الراهن المقلق هو المدخل الإجتماعي وما من قوى تضبط هذا المدخل كاليسار، الذي ينبغي عليه أن يتحمل مسؤوليته وأن يقوم بواجبه كاملا في إبداع مشروع مجتمعي عقلاني بأفكاره وأهدافه ووسائل أهدافه وكيفيات الانتقال من الواقع إلى ما يريد وفق مخططات عمل عقلانية. الواجب أن يعود اليسار إلى العقل. فاليسار، بالنسبة لمولاي أحمد العراقي، له دور أساسي شريطة أن يقوم بمراجعات نقدية ذاتية جريئة وشجاعة ومبدعة.
هذا وقد زاد النقاش الذي أعقب هذا اللقاء حيوية كان وقودها ملاحظات نقدية للحضور، انصبت على جملة من المحاور التي أثيرت في تدخل المحاضرين وأهمها صعوبة إعادة الثقة للمغاربة في اليسار بعد تجربة حكومة التناوب ومعضلة غياب النخب الحداثية والديمقراطية عن الشارع والفراغ الذي نتركه للقوى الأصولية المنظمة والشعبوية. كما أثار النقاش ضرورة انفتاح مثل هذه اللقاءات على الطاقات المجتمعية القادرة على تقديم الإضافات المبدعة. واعتبر المتدخلون أن ما نعيشه على المستوى العالمي، والذي سماه مولاي العراقي بمرحلة الانتقال على المستوى الدولي ما هو إلا صدى لانهيار نموذج الرأسمالية المتوحشة أو الليبرالية الانتاجوية، وقد رافقت هذا الانهيار جملة من الانهيارات الأخرىR37 تجسد أبرزها على المستوى الإيكولوجي والطاقي، منبهين إلى الأخطار المحدقة بالمغرب وبأرضه ونظامه البيئي جراء الاتفاقات السرية حول مشاريع استخراج الغاز السيشتي الذي سيقود إلى كارثة بيئية غير مسبوقة في المغرب بتلويث أكثر من 487 مادة كيماوية لفرشاته المائية إذ تم تنفيذ هذه المشاريع الطاقية الملوثة. كما أثار بعض المتدخلون الأجندات المقبلة والتي سيتم تمريرها بواسطة هذه الحكومة كما أثار المتدخلون ضرورة تجميع قوى سياسية وليس فقط الاقتصار على تجميع اليسار لإيقاف المد الأصولي الذي يهدد التعددية السياسية والثقافية للمغرب.
“المنعطف” – تقرير : عبد اللطيف بوجملة